السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ظُلمت ظلما لا يسكت عنه بحال .. ومع بذلي في الانتصار - في هذا الموطن - فإنني أرفع أكفَّ الضراعة إلى الجبار أن يجعل تدبيرهم تدميرا لهم .. وأن ينزل عليهم بأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين .. وأن يسلط عليهم الذل والعذاب حتى يتمنوا الموت فلا يجدوه ..
هل يجوز لي مثل هذا الدعاء .. علما أنهم قوم مسلمين فيهم من المكر والخبث ما الله به عليهم ..
حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ..
---
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
دعاء المظلوم على من ظلمه ولم يستطع الإنتصار أو رفع الظلم عن نفسه هي عطية القادر العدل، وهي نفحة من رحمة الله سبحانه وتعالى للمظلوم ليذكر عبده بأنّ له سيد نصير وولي سيعيد له حقه وينصره آجلاً او عاجلاً. وفي هذا تخفيف على المظلوم ليصبر من جهة ووعد بالنصر ورفع الظلم عنه من جهة أخرى.
إاذا علمتي ذلك، فاعلمي أنّ الدعاء على الظالم حق أعطاه الله لكل مظلوم، والحقوق ينظر لها مثل ما ينظر إلى الواجبات، فلكل منهما ضوابط وحدود لا ينبغي تجاوزها حتى لا يطلب المظلوم ما ليس له في وجه حق، لذا قال الله سبحانه وتعالى: "وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
والجواب على سؤالك هو أنّ حقك هو متعلق بأمرين:
أولاً: إرجاع الحق الذي سلب منكي إليكي وهذا مما يطلب في الدعاء بلا ريب
ثانياً: عقاب الظالم على ظلمه حتى لا يعود لمثل ذلك ويعتبر
وسؤالك متعلق بالأمر الثاني في ما يخص طلب العقاب للظالم، وللجواب عليه دعيني أوضح بعض النقاط المهمة:
الدعاء على الظالم حق لكن العفو فضيلة وأحسن وطوبى لمن عفى حين المقدرة وكظم غيظه حين غيظه. كما لا يخفى عليكي أنّ الله هو العدل العادل، وعليه فإن عقابه جاء دائماً مناسباً لحجم الجريمة والمعصية، فلا يعقل أن رجلاً ظلم رجلاً بأن سلب منه 100 دينار بأن يدعي عليه بالموت!! لذا إن أردتي الدعاء عليه فالأفضل أن تتركي تفاصيل العقاب للذي وعدكي بالنصرة والإنتقام لكي فيقال على سبيل المثال: اللهم إنتقم لي أو الله عاقبه بما يستحق على ظلمه لي وما إلى ذلك، ولتعلمي أنّ التعدي في الدعاء مذموم ولا يعني بالضرورة تحقق كل ما جاء في الدعاء على الظالم فالله العدل ولن يظلم حتى الظالم المعتدي.
إن نظرتي في ما قلت وما ذكرتي في دعائكم، لوجدتي في دعائك تعدّ مذموم، فالدعاء بالموت والعذاب الشديد لا أظنه يناسب مظلمتك مهما بلغت خصوصاً أنهم من الموحدين، ولا تنسي أنّ الله مطلع وعالم بما تخفي الصدور، فاصبري واحتسبي
فرج الله همك ورفع الظلم عنك
والله أعلم وأحكم
--=
شرع تعالى للمظلوم أن ينتصر ـ ومنه الدعاء ـ، وقيّد ذلك بالاقتصاص بالمثل، وندبنََا إلى العفو...
(والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) ثم عقب (وجزاء سيئة سيئة مثلها ) ثم عقب ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله)...
وضابط التفاضل بين الانتصار أو العفو: المصلحة الشرعية.
وأحسن الأدعية أدعية القرآن والسنة، فليدع المظلوم بمثل قول: (( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا )) (75) سورة النساء
والدعاء المذكور في آخره تغليظ، ولعله يفوق ظلم هؤلاء ـ في ظني على الأقل ـ، على أن ضبط النِّسَب بين قدر الظلم والانتصار لا يخلو من صعوبة.
والأحسن لو جعلت الدعاء مختصاً "بسبب" الظلم و"محله"، فالباغي بماله يدعى عليه بالفقر، والباغي بسلطانه يدعى عليه بفقده، والباغي بقوته يدعى عليه بضد ذلك، وهكذا.
يشهد لذلك قوله تعالى: (( فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا )) (40) سورة الكهف. فدعا عليه بفقد ماله، لما كان سبباً في طغيانه، وقد أشار إلى هذا ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره.
ولذا: فإن من تمام عدل الله تعالى أن يعذب كل باغٍ بما بغى به، جزاءً وفاقاً.
وليتذكر المؤمن فضل الصفح والعفو، وقد قال الفاروق ـ رضي الله عنه ـ أدركنا خير عيشنا بالصبر، ذكره البخاري، وليستحضر مواقف نبي الله ، حيث لم ينتقم لنفسه قط، كمافي فتح مكة، وقصة غورث، والأعرابي بسيفه، وغيرها كثيرٌ جمٌّ.
والعلم عند الله تعالى.