بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الفائدة الأولى
إن دعوتنا صافية نقيه لا شوائب فيها ولا كدر إذ هي نور و بيان و موعظة و هدى و بشرى للمتقين وقد وصف الله كتابه المبين بالنور في قوله جل وعلا(قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين)و قوله(ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا)و قوله(قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا)و قوله(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم)ووصف القرآن بأنه هدى والنبي بأنه يهدي إلى صراط مستقيم فإذا جمعت بين النور الهداية استنارت لك هذه الفائدة أيما استنارة.
الفائدة الثانية
أن الله تعالى عاتب أحب خلقه إليه و أفضلهم عنده وأخشاهم له واتقاهم بتشاغله عن هذا الأعمى ظنا منه أن هناك من هو أهم منه وانفع إذا ما دخلوا في الإسلام مع انه لم ينهره ولم يعنفه وإنما جاء العتاب حرصا على مشاعر ذلك الأعمى أن تجرح.فدل هذا على القاعدة المشهورة انه لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم ولا مصلحة متحققه لمصلحة متوهمة وانه ينبغي الإقبال على طالب العلم المفتقر إليه الحريص عليه أزيد من غيره
أخوة الإسلام:من هاتين الفائدتين دلالة عظيمة على إن الإسلام دين نور و هدى للناس يحرص على الناس اشد من حرصهم على أنفسهم وبهذا وصف رسول الهدى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)والموصوف هنا هو المعاتب هناك,فحرصه هو سبب المعاتبة وكم كان حرصه على هداية الناس سببا للمعاتبة من ربه قال تعالى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) و قال جل شأنه(لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين) أي مهلكها والبخع هو قتل النفس غما. قال تعالى(فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)
و بناء عليه أخي الكريم يا من يدعي إتباع نهج محمد و السير على هديه انظر إلى منهجه مع أعدائه كيف كانت نفسه تذهب عليهم حسرة الا يؤمنوا -و الا يهتدوا -خشية عليهم من النار ثم انظر إلى أغيلمة يزعمون حب شريعة الله و الجهاد في سبيلها فإذا هم يزهقون أنفسهم و أنفسا معصومة حرم الله إزهاقها بغير حق ويخربون بيوتهم و يخرجون على أولياء أمور المسلمين والحجة أو قل والشبهة هي رفع راية الدين ونصرته والجهاد في سبيله
فإذا كان القرآن الكريم يعاتب الحريص أشد الحرص على الهداية على عبوس و تولي كيف بالقتل فكيف بالتخريب كيف بالإفساد
إن دين الإسلام لما كان نورا صافيا نقيا علم بالضرورة إن ليس فيه خبايا و لا خلايا ولا خديعة بل لن يكون فيه مكر و تخطيط ناهيك أن يكون هو يدعو إلى القتل بغير حق أو إلى التدمير
إن إدراكك أخي المسلم أن الإسلام نور يعطيك الثقة التامة واليقين الراسخ أن العمل للإسلام بيٌن أمام الكل إذ هو النور والمشعل الذي يقودهم للهداية وليس من الإسلام العمل في الظلام بل إن ولاية الله للمؤمنين تخرجهم من الظلمات إلى النور والعكس هو الصحيح
واعلم أخي الكريم أن دعوة الرسول في مكة سرا لثلاث سنوات ليس فيه دليل على سرية الدعوة إلى الله و تكوين الخلايا و رسم المخططات ذلكم أن رسول الله جاء بالشهادتين فكان من المتحتم أن يبدأ بالقريب الموثوق به حتى يجد أعوانا و أتباعا إما في البلاد أو المجتمعات التي يصدح فيها بالأذان وتقام فيها الشعائر فكل من أسر دعوته فلا بد أن يكون ضامرا للفساد مريدا للإفساد وسند هذا نهيه في الصحيح عن منابذة أئمة الجور بالسيوف حيث قال (لا ما أقاموا فيكم الصلاة)
الفائدة الثالثة
بيان العمى الحقيقي فإذا كان الذي قدم إليك أعمى البصر فنه قد جاء يريد أن يبصر الحق ويزداد منه وقد اعرض عنك أعمى القلب ظانا أنه استغنى و شتان بين أعمى البصر وأعمى البصيرة
الفائدة الرابعة
بيان حاجة المعوق للعناية وهذا ما أشار إليه بعض المفسرين قال الزمخشري: كأنه يكون قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى و كان يجب أن يزيده عماه تعطفا و تلطفا وترحيبا
وقال ابن عطية: وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره وبين أمره من مثل ضده من غنى الكافر
الفائدة الخامسة
بيان عدل الإسلام فليس أهل الغنى والجاه بأحق من أهل الفقر والعاهات لاستماع الحق والاستئثار بالداعية وجهده و همه ووقته و منه قوله تعالى(وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) و قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله اتقاكم)
فالدعوة الإسلامية جاءت لتنقذ الإنسان مهما كان هذا الإنسان وضيعا أو شريفا كريما أو حقيرا - الأمر لا يختلف - فالمراد إنقاذه من النار وهدايته لعبادة الواحد القهار وهذا هو الهدف الأسمى والحقيقية و تلك هي حقوق الإنسان في الإسلام حقه أن ينال سعادة الدنيا و ثواب الآخرة حقه أن تصل إليه الكلمة الباقية و أن تغرس في نفسه الشجرة الطيبة وان يتعرف إلى خالقه حق المعرفة بلا شوائب ولا عوائق