الزهراء.. صورة كاملة للأنوثة المقدسة
بنت محمد، زوج علي، أم الحسنين وبنيهما الشهداء،
سليلة المجد، أصيلة العرق، عريقة النسب، نشأت نشأة جد واعتكاف،
ووقار واكتفاء، وشرف لا تنازعها فيه واحدة من بنات حواء،
نشأت في مهد الإيمان، قوية النفس، ضعيفة الجسد،
فلم تجد لها راحة سوى في القنوت، والتبتل والسجود.
أبوها خاتم المرسلين، وأمها خديجة بنت خويلد،
جمعت إلى النسب العريق الثروة الوافرة،
غنية النفس بأكرم العواطف الأنثوية، عاطفة المحبة الزوجية والأمومة والإيمان.
. ساندته حين نزل الوحي، حنكة العقل وحنان الأمومة،
فبقى محمد يذكر لها هذه الأيام حتى ختام حياته،
ويتفقد ذكراها أعواما بعد أعوام، وفاء ما بعده وفاء، لزوجة بارة وأم رؤوم.
رزقت صباحة الوجه مع الخلق الجميل،
منها ولد للنبي جميع أبنائه عدا إبراهيم (ابنه من مارية القبطية):
القاسم، والطاهر، والطيب، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة،
ماتوا جميعا في حياته عدا فاطمة.
حبيبة أبيها
نعمت فاطمة بالحنان من قلبين كبيرين،
حنان جاد رصين، يشملها به الأب الذي مات أبناؤه،
ولا عزاء له غير عبء النبوة التي تنوء بها الجبال،
وتشملها به الأم التي جاوزت الأربعين،
وبقيت لها الابنة الصغيرة بعد فراق الذرية بالموت،
أو بالزواج والانتقال، فكان الحنان الذي يعلم الوقار،
ولا يعلم الخفة والانطلاق، منطوية على نفسها،
لا تعرض لشيء غير شأنها وشأن ابنها، ولم تتعود أن تسأل عما لا يعنيها،
سمعت القرآن الكريم من أبيها وزوجها، ووعت أحكام فرائضه.
ولدت قبل البعثة المحمدية ببضع سنوات،
وتزوجت في الثامنة عشرة من ابن عمها علي،
كان علي غائبا في حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحينما أقبل تبسم له النبي،
وقال: يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، فخر علي ساجدا شكرا لله،
فلما رفع رأسه قال الرسول: بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما،
وأخرج منكما الكثير الطيب.. جهزت فاطمة
وما لها من جهاز غير سرير ووسادة حشوها ليف وإناء
وسقاء ومنخل وقدح ورحاءان وجرتان!.
ولم يمض غير قليل على زواجها حتى قال لها النبي:
إني أريد أن أحولك إلي، وكان صلى الله عليه وسلم يحنو عليها لضعفها وحزنها
ولا يصبر على فراقها، ولكنه استحى أن يطلب ذلك من حارثة بن النعمان
الذي عرف الخبر فجاءه قائلا:
يا رسول الله، بلغني أنك تريد أن تحول فاطمة إليك فهذه منازلي،
وإنما أنا ومالي لله ورسوله، والله يا رسول الله للمال الذي تأخذه مني
أحب إلي من الذي تدع، فقال الرسول: صدقت، ودعا له بخير وحولها إليه.
عاشت فاطمة في كنف الحنان الأبوي والنور المحمدي، يأتي إلى بابها كل صباح
فيأخذ بعضادتي الباب
ويقول: السلام عليكم أهل البيت، الصلاة (يقولها ثلاثة)،
"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً".
وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يثني بفاطمة،
ثم يأتي بيوت نسائه. ذات مرة دخل عليها فأطال المكث،
ثم خرج وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر،
ففطنت فاطمة أنه تغير لما رأى من المسكتين والقلادة والستر،
فنزعت قرطيها والقلادة والستر وبعثت به إلى أبيها
وقالت للرسول: قل له تقرأ عليك ابنتك السلام،
وتقول لك: اجعل هذا في سبيل الله، فلما أتاه قال: قد فعلت، فداها أبوها (ثلاث مرات)،
ليست الدنيا من محمد ولا آل محمد،
ولو كانت تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء.