يعتبر (الحسن البصري) شيخ التصوف الاسلامي الذي نشأ في العراق. كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع
كل فن من علم وزهد وورع وعبادة ومن القلائل الذين أجرى الله الحكمة على ألسنتهم فكان كلامه حكمة وبلاغة إنه
التابعي الجليل الحسن البصري.
رغم ان (الحسن البصري) قد ولد ونشأ في الحجاز ـ المدينة المنورة، الاّ انه من أب عراقي مسيحي قد تم اسره من
قبل جيش (خالد بن الوليد) اثناء بداية الفتوحات، وهو طفل يدرس في دير مسيحي في (عين تمر). والجدير
بالاهتمام ان هؤلاء الاطفال العراقيين الذين تم اسرهم واخذهم الى الحجاز قد توزعوا بين عدة عوائل عربية تبنتهم. وقد
ظهر من ابناء هؤلاء العراقيين المسيحيين شخصيات عظيمة معروفة، منهم (موسى بن نصير) فاتح الاندلس، والامام
(محمد بن شيرين البصري) صاحب الموسوعة الشهيرة (تفسير الاحلام)، والامام (الحسن البصري) هو (
الحسن بن يسار أبو سعيد) ولد قبل سنتين من نهايه خلافه (عمر بن الخطاب)(رضي). كان والده العراقي
الاسير مولى أي تابع الى (زيد بن ثابت الانصاري)، كذلك امه العراقية الاسيرة مولاة (ام سلمه) ام المؤمنين.
وقد اعتقا الشابين قبل زواجهما. كانت أم الحسن منقطعه لخدمة ام سلمة (رضي)، فترسلها في اشغال، فيبكي
الحسن وهو طفل فتسكته ام سلمة بثديها، وبذلك فأنه رضع من ام سلمة (رضي)، وتربى في بيت النبوه. وكانت ام
سلمة تخرجه إلى الصحابه فيدعون له، ودعا له (عمر بن الخطاب)، فقال "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس".
ولقد حفظ الحسن القرآن قبل بلوغه الرابعه عشر.
نشأ الحسن بمكان يسمى وادي القرن، وحضر الجمعه مع (عثمان بن عفان) (رضي) وسمعه يخطب، وشهد يوم
استشهاده (يوم تسلل عليه القتله الدار) وكان عمره أربع عشر سنة.
وقد بايع الامام (علي بن ابي طالب) عليه السلام.
وفي سنه(37)هـ انتقل إلى البصرة، فكانت مرحله التلقي والتعلم، حيث استمع إلى الصحابه الذين استقروا في
البصرة لمده ست سنوات وفي السنه (43)هـ عمل كاتبا في غزوه لأمير خراسان الربيع بين زياد لمده عشر سنوات
رجع من الغزو واستقر في البصرة حيث اصبح أشهر علماء عصره ومفتي البصرة حتى وفاته .
تلميذه واصل بن عطاء انفصل عن الحسن البصري وكون الحلقة الأولى للمذهب الاعتزالي، كان الحسن البصري
رحمه الله مليح الصورة، بهيا، وكان عظيم الزند قال محمد بن سعد "كان الحسن فقيها، ثقة، حجة، مأمون، ناسكا، كثير
العلم، فصيحا، وسيما". وكان من الشجعان الموصوفين في الحروب، وكان المهلب بن ابي صفرة يقدمهم إلى القتال،
وأشترك الحسن في فتح كابور مع عبدالرحمن بن سمرة. قال أبو عمرو بن العلاء "ما رأيت أفصح من الحسن
البصري". وفال الغزالي "وكان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء، وأقربهم، هديا من الصحابة، وكان
غاية الصحابة تتصبب الحكمة فيه.
كان الحسن كثير الحزن، عظيم الهيبة، قال أحد الصحابة "ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن، ما رأيته إلا حسبته
حديث عهد بمصيبة.
لقد كان الحسن أعلم أهل عصره، يقول قتادة "ما جمعت علم إلى أحد العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا
أشكل عليه كتب فيه على سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فيها قط فضل الحسن".
وكان للحسن مجلسان للعلم: مجلس خاص بمنزله، ومجلس عام في المسجد بتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن
واللغة وغيرها وكان تلاميذه كثر.
رأى الحسن عددا كبيرا من الصحابة وروى عنهم مثل النعمان بن البشير، وجابر بن عبدالله، وابن العباس، وأنس
رضوان الله عليهم، ونتيجة لما سبق فقد لقبه عمر بن عبد العزيز بسيد التابعين حيث يقول "لقد وليت قضاء البصرة
سيد التابعين".
عاش الحسن رحمه الله الشطر الأكبر من حياتة في دولة بني أمية، وكان موقفه متحفظاً على الأحداث السياسية،
وخاصة ما جرّ إلى الفتنة وسفك الدماء، حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن
الخروج يؤدي إلى الفوضى والإضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي
الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم، وإن شق على دراية إصلاح الحاكم
فما زال لإصلاح المحكومين مُيسراً. أما إن كان الحاكم ورعاً مطبقاً لأحكام الله مثل عُمر بن عبد العزيز، فإن الحسن
ينصح له، ويقبل القضاء في عهده ليعينه على أداء مهمته.
أما عن سببب حزنه فيقول الحسن رحمة الله "بحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي
الله تعالى مشهده، وأن يطول حزنه". وكان الحسن البصري يصوم الأيام البيض، والشهر الحرم، والأثنين
والخميس.
توفي الحسن رحمه الله عشية يوم الخميس في أول رجب سنة عشر وسنة وعاش ثمان وثمانين سنة، وكانت جنازته
مشهودة، صلى عليه المسلمون عقب صلاة الجمعة بالبصرة.
من اقواله
ـ بئس الرفيقان، الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك
ـ كتب الحسن لعُمر بن عبد العزيز ينصحه فقال "فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد أئتمنه سيده واستحفظه
ماله وعياله فبنذ المال وشرد العيال، فأفقر أهله وبدد ماله".
ـ ولقد عنف الحسن البصري طلبة العلم الشرعي الذين يجعلون علمهم وسيلة للاستجداء فقال لهم "والله لو زهدتم فيما
عندهم، لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيكم".
ـ قال الحسن : إن المؤمن يصبح حزيناً ويمسي حزيناً ، ولا يسعه غير ذلك ، لأنه بين مخافتين، بين ذنب قد مضى
لا يدري ما الله يصنع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهلك .
- وكان الحسن يبكي وينشد : دعـوه لا تلومـوه دعـوه فقد علم الـذي لم تعـلمـوه رأى علم الهدى فسـما إليه وطـالب
مطلبـاً لم تطلبـوه أجاب دعـاءه لمـا دعـاه وقـام بأمـره وأضـعتموه بنفسي ذاك من فطن لبيب تذوق مطعمـاً لم تطـعمـوه.
- حضر الحسن يوماً مجلساً جمع شيوخاً وشباباً فقال : معشر الشيوخ !ما يصنع بالزرع إذا طاب؟ قالوا :
يحصد .ثم التفت فقال : معشر الأحداث !كم من زرع لم يبلغ قد أدركته الآفة فأهلكته، وأتت عليه الجائحة فأتلفته ثم
بكي وتلا : ((ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون))
- وكان يقول : الرجاء والخوف مطيتا المؤمن..
- وقام المغيره بن مخادش ذات يوم الى الحسن فقال :كيف نصنع بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال الحسن
: والله لئن تصحب أقواماً يخوفونك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنوك حتى يلحقك الخوف .
- وكان يقول :أي قوم ! المداومة المداومة ، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت .
- وقال : من أحب أن يعلم ما هو فليعرض نفسه على القرآن .تم الاسترجاع من "
ـ كان الحسن يقص (يحكى القصص) في الحج فمر به علي بن الحسين فقال له يا شيخ أترضى نفسك للموت قال لا
قال فلله في أرضه معاد غير هذا البيت قال لا قال فثم دار للعمل غير هذه الدار قال لا قال فعملك للحساب قال لا قال فلم
تشغل الناس عن طواف البيت قال: فما قص الحسن بعدها.
ـ قيل إن رجلا أتى الحسن فقال يا أبا سعيد إني حلفت بالطلاق أن الحجاج في النار فما تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها
فقال له قد كان الحجاج فاجرا فاسقا وما أدري ما أقول لك إن رحمة الله وسعت كل شيء وإن الرجل أتى محمد بن
سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه شبيها بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن عبيد فقال له أقم مع زوجتك فإن الله تعالى إن
غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر ذلك.
ـ وكان في جنازة وفيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال له الحسن يا أخي إن كنت كلما رأيت قبيحا تركت له
حسنا أسرع ذلك في دينك.
ـ وقيل له ألا ترى كثرة الوباء فقال أنفق ممسك وأقلع مذنب واتعظ جاحد.
ـ ونظر إلى جنازة قد ازدحم الناس عليها فقال ما لكم تزدحمون ها تلك هي ساريته في المسجد اقعدوا تحتها حتى تكونوا
مثله.
ـ وحدث الحسن بحديث فقال له رجل يا أبا سعيد عن من فقال وما تصنع بعن من أما أنت فقد نالتك موعظته وقامت
عليك حجته.
ـ وقال لفرقد بن يعقوب بلغني أنك لا تأكل الفالوذج فقال يا أبا سعيد أخاف ألا أؤدي شكره قال الحسن يا لكع هل تقدر
تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه.
ـ ورأى الحسن يوما رجلا وسيما حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يسخر للملوك ويحبونه فقال لله أبوه ما رأيت أحدا طلب
الدنيا بما يشبهها إلا هذا.
ـ وقيل للحسن إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك بهذا.
ـ ولما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن
البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده وأخذ
عليهم الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي بالأمر من أمره فأنفذ ذلك الأمر فما
ترون؟! فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد
ولا تخف يزيد في الله إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك،
ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان
ناصرا لدين الله وعباده فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأجازهم ابن
هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.
- قال: لا يستحق احد حقيقة الأيمان حتى لا يعيب الناس بعيب فيه، ولا يأمر بإصلاح عيوبهم حتى يصلح عيوب
نفسه، فإذا فعل ذلك لم يصلح عيبا إلا وجد في نفسه عيبا أخر ينبغي إن يصلحه. فإذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن
عيب غيره وانك ناظر إلى عملك بوزن خيره وشره، فلا تحقرن شيئا من الخير وان صغر، فانك إذا رايته سرك
مكانه.رحم الله امرءا كسب طيبا، وانفق قصدا، وقدم فضلا. إلا إن هذا الموت قد اضر بالدنيا وفضحها، ولا والله ما
وجد ذو لب فيها فرحا.فإياكم وهذه السبل المتفرقة التي جماعها الضلالة وميعادها النار. رحم الله امرءا نظر فتفكر،
وتفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصبر: فقد أبصر قوم ثم لم يصبروا فتمكن الجزع من قلوبهم، فلم يدركوا ما
طلبوا ولم يرجعوا إلى ما فارقوا، يا ابن ادم!