الصبر على أقدار الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... إن التسليم بقضاء الله وقدره والرضى به من لوازم الإيمان بالقدر وعلى قدرة هذا الإيمان وضعفه يكون الرضى والسخط. فإذا علم العبد أن كل ما يقع في هذا الكون من صغير وكبير إنما يقع بعلم الله وتدبيره وحكمته. وقد اقتضت هذه الحكمة أن يعيش العباد بين الغنى والفقر… وبين العافية والمرض ..
فإذا علم العبد هذا فسيمتلئ قلبه إيمانا ويقينا وطمأنينة يفتقدها من جهل هذه الحقيقة وغفل قلبه عنها. قال تعالى: (وكان أمر الله قدرا مقدورا) وقوله (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) أسباب تعين على الرضى بالقضاء والصبر عليه:
:..1) عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجبا لأمر المؤمن! أن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" . رواه مسلم ..إن حال المؤمن تدعو للعجب فلا النعمة تغره وتبطره … ولا المصيبة تجزعه وتكفره فهو في حال النعمة شاكر لله عليها… وفي حال المصيبة صابر محتسب الأجر عند الله ..فهذه السمة الطيبة الرضى بالقضاء لا تتحقق إلا في المؤمن الصادق. أما المحرومون من هذه النعمة الذين يجزعون ويسخطون ويسبون في حال المصيبة. ويبطرون ويفسدون في حال النعمة فهم ضعاف الإيمان ...
إذا كان شكر نعمة الله نعمة * علي له في مثلها يجب الشكر..
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله * وان طالت الأيام واتسع العمر..
إذا مس بالنعماء عم سرورها * وان مس بالضراء أعقبه الأجر
..2) عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" . رواه ابن ماجه ..
عظم الجزاء مع عظم البلاء :..أنه كلما ازداد البلاء على العبد كلما ازداد له الأجر وتكفير الذنوب ما دام صابرا ...إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم :..لأن الله قد يبتلي أحب الخلق إليه من الأنبياء والصالحين والصديقين وذلك ليطهرهم من رجس الخطايا والذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس. حتى لا يبقى عليهم شيء من درن الخطايا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة". أخرجه أحمد. ففي هذا الحديث بشارة طيبة للمبتلي (بأي نوع من البلاء) وهو خير معين له على الصبر والرضى ...وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. يبتلى العبد على حسب دينه. فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه. وان كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه. فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة". رواه بن ماجه..
فمن رضي فله الرضى :..أي من رضي بحكم الله وقضائه كان سببا في رضى الله عز وجل. ولا شك أن رضى الرب عن عبده هو غاية العبادة ومقصدها وهو أعلى مراتب الثواب وأجودها ..عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى؟ يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"
رواه مسلم..
ومن سخط فله السخط :..أن من سخط أمر الله وأعترض على قدر الله كان ذلك سببا في سخط الرب عليه. ومن يسخط عليه الله عز وجل فقد خاب وخسر ..فليتدبر هذا الوعيد أولئك الناس الذين إذا اختبرهم الله بمصيبة اعترضوا على مالك الملك .فيقول أحدهم وساء ما يقول: لماذا فعلت هذا يا رب بي؟ ألم تجد غيري تبتليه بهذا؟ وغيرها من العبارات التي ترفض الاستسلام لقضاء الله وقدره ..وإذا سخط العبد فلن يغير من الواقع شيء ولن يرد عنه القضاء بل سيجلب عليه الشقاء.
أما إذا صبر سينال رضوان الله عز وجل ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". رواه مسلم.