خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم
من قومه رجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، ولما انتهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر منهم، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم فجلس إليهم
ودعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم به من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه
من قومه، فقال له أحدهم: لئن كنت رسولاً من الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطرًا من أن أرد
عليك الكلام, ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.فقام رسول الله من
عندهم وقد يئس من خير ثقيف فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به, حتى
اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فعمد إلى ظل حبلة
من عنب فجلس فيه، فلما اطمأن قال عليه السلام:-
«اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل سخطك, لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».
فلما رآه ابنا ربيعة، عتبة وشيبة وما لقي؛ تحركت له رحمهما، فنادا غلاما لهما نصرانيا يقال له
عداس فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق, ثم اذهب به إلى ذلك الرجل
فقل له يأكل منه. ففعل عداس ووضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له:
كل فلما وضع فيه يده قال: بسم الله، ثم أكل، فنظر عداس في وجهه ثم قال: والله إن هذا
الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟»
قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟»
فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي».
فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك.
فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي.
هذا النبي الحبيب الذي لاقى يوم الطائف من شدة الضيق وقسوة اللقاء من قبائل ثقيف ما جعله يتذكر هذا اليوم كأشد يوم مر عليه في دعوته للقبائل.. فتح الله على يديه كنوز كسرى وقيصر وعم دينه مشرق الأرض ومغربها.
وأصبح دينه هو الناسخ لما قبله من الأديان... فهلا تمعنت أيها القارئ بسيرة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات وأتمها وقلت صادقا (فداك أبي وأمي يا رسول الله).