قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
هذه الآية أصلٌ كبير في التأسِّي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر -تبارك وتعالى- الناسَ بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، فتأسوا به في هذه الأمور وغيرها.
واستُدلَّ بهذه الآية على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الأصل أن أمَّته أسوتُه في الأحكام، إلا ما دلَّ الدليل الشرعي على الاختصاص به؛ فالأسوة نوعان: أسوة حسنة، وأسوة سيئة.
فالأسوة الحسنة في الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن المتأسِّي به سالكٌ الطريقَ الموصل إلى كرامة الله تعالى واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف الله، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه يحثُّه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما الأسوة بغيره إذا خالفه، فهي الأسوة السيئة، كقول المشركين حين دعتْهم الرسلُ للتأسي بهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]، فيجب على كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، ويرجو ثواب الله ويخاف عقابه: أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، وجميع مجالات حياته، وأن يكون قدوة حسنة لغيره في جميع المجالات، وخصوصًا العلماءَ وطلبة العلم والمنتسبين إليه من القضاة والمدرسين وغيرهم؛ فإنهم قدوة للمجتمع، والناس ينظرون إليهم ويقلدونهم، وكذلك الآباء قدوة لأبنائهم، كما أن المدرسين قدوة لطلابهم، فعلى الجميع لزومُ تقوى الله عز وجل والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحافظون على الواجبات والمستحبَّات، ويتركون المحرَّمات والمكروهات، فيفوزون بالأجر المرتَّب على ذلك، ويَسْلَمون من الإثم المرتب على ضده.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وسائر إخواننا المسلمين للتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يُدخلنا في شفاعته، وأن يوردنا حوضه، ويسقينا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.