قال ابن القيّم رحمه الله تعالى عن حال شيخ الإسلام ابن تيميّة ..
قال لي مرة : مايصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري — يعني بذلك إيمانه وعلمه أوالكتاب والسنّة — أين رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدى سياحة ,وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بدلت لهم ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندى شكر هذه النعمة أو قال : ماجزيتهم على ما سببوا لي فيه من الخير .
وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ماشاء الله — يعنى يكرر ذلك كثيرا–.
وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه . ولما دخل القلعة وصار من داخل سورها نظر إليه وقال :{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}.
وعلم الله : مارأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ماكان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم ومع ماكان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنا إذااشتدّ بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض فماهو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيدهب عنا ذلك كله وينقلب إنشراحا وقوة ويقينا وظمانية وكان يقول : إن في الدنيا جنّة من لم يدخلها لا يدخل جنّة الآخرة ., فسبحان من أشهد عباده جنّته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها مااستفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها )). إنتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.
ذكره في [الوابل الصيب ص٥٩ كما نقله عنه الحافظ ابن رجب في [ذيل طبقات الحنابلة ٢/٤٠٢]: