مراحل الفتور
التوسع في المباحات والوقوع في المكروهات واستثقال الطاعات
ويكون بداية التنازل بترك النوافل والمستحبات
قيل لبعض السلف: هل يجوز أن أوسع لنفسي في المباح..؟ قال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها.
والمباح: هو الذي لا حرج على فاعله فليس من المكروهات ولا من المحرمات واستعمال المباح في التَقَوِّي على الطاعات طاعة ولكن الآفة في التوسع والاستكثار فليكن تناول المباحات بقدَر وليكن شعارك في الدنيا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم "مالي وللدنيا؟!"
* أخرجه البخاري (2613) كتاب الهبة. باب هدية ما يكره لبسها
وقد قال ربنا جل جلاله: "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " الأنعام : 32
فالتوسع في المباحات - الذي هو خطر على الإيمان - هو الإستزادة منها والإنشغال بتحصيلها وتعلق القلب بالإستكثار منها
وذلك يولد آفات منها:
1 - الإنشغال بالمباحات يفوت الأرباح والمكاسب العظيمة والمنازل العالية في الجنة
قال تعالى: "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ " التكاثر : 8
فأكل الطيبات مباح ولكن ملء البطن لا
قال صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أكلاتٍ يُقمنَ صُلبَهُ"
* أخرجه الترمذي (2380) كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل.
وقال: حسن صحيح - واللفظ له -
وابن ماجه (3349) كتاب الأطعمة. باب الاقتصاد في الأكل وكراهية الشبع.
والعمل الدنيوي وجمع المال من الحلال مباح بل مندوب إليه ولكن التوسع في ذلك حتى ينشغل القلب بالدنيا عن الرب جل جلاله فذلك هو الحرام بعينه.
قال صلى الله عليه وسلم: " تَعِسَ عبدُ الدينارِ وعبدُ الدرهمِ وعبدُ الخميصةِ إن أُعْطِي رَضِيَ وإن لم يُعْطَ سَخِطَ"
* أخرجه البخاري (2887) كتاب الجهاد والسير. باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " يونس:7-8
2 - ولا يزال الشيطان يزين للعبد التوسع بقوله: لا حرج لا حرج. حتى يقع الإنسان في المكروهات
فالمباحات باب الشهوات والشهوات لا تقف عند حد بل تقود إلى شر، قال تعالى: "كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى" طه: 81
فأمر سبحانه بالأكل ونهى عن الطغيان فيه فتأمل!!.
3 - فإذا توسع في المباحات وقع في المكروهات وحينها تميل النفس إلى البطالة والكسل وتتقاعس عن العمل وتطلب الراحة ويعجز الإنسان عن حمل النفس فإنه طاوعها فاستأسدت عليه ووافق هواها فتمنعت عليه وأعطاها مناها فاستولت عليه فحينها يستثقل طاعة الرحمن ويضيع وقته في طاعة الشيطان فتجده يقوم إلى الفرض من الصلاة رغمًا وتصبح الطاعات ثقيلة على نفسه بعد أن كان ممن يستهويه "أرحنا بها!"
* أخرجه الإمام أحمد في مسنده (22578)
وأبو داود في سننه (4985) كتاب الأدب باب في صلاة العتمة. وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4171)
والمشكاة (1253)
فيصير من أهل الإنشغال بالمباحات في جميع الأوقات فيضيق وقته عن الجمع بينها وبين نوافل العبادات ويزين له الشيطان ترك ذلك بأنه مواظب على الفرائض فيترك نوافل الصلاة والصيام وهذه بداية التنازلات وأول موت القلب.
