قلت (والكلام لابن عجيبة):
هذا ميزان صحيح في حق السائرين المشتغلين بالجهاد الأكبر.
قال تعالى : وجاهدوا في الله حق جهاده . وقال : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ..
. فكل ما يثقل على نفس المريد وتنفر منه فهو حق فالواجب على المريد إتباعه وكل ما يخف عليها فهو باطل وفيه حظها فالواجب عليه اجتنابه
وهذا الأمر يختلف اختلافا كثيرا فرب نفس يثقل عليها غير ما يثقل على الأخرى .
فبعضها يثقل عليها الصمت وبعضها يثقل عليها الكلام كما إذا تربى في الصمت .
وبعضها يثقل عليها الخلطة وبعضها يثقل عليها الصيام وبعضها الفطر .
وبعضها يثقل عليها السؤال وتموت في ساعة واحدة وبعضها يخف عليها كما إذا تعودته قبل الأمر به ، وقس على ذلك ....
فليكن العبد على بصيرة ويصير معها على عكس مرادها هكذا يستمر معها يخالفها فيما تأمره ويتهمها فيما تستحسنه ...
فإذا تزكت وتطهرت من الحس ولم يبق لها بقية فحينئذ يجب عليه موافقتها إذ لا يتجلى فيها حينئذ إلا الحق فقد جاء الحق وزهق الباطل.
فيصير أمر العارف معكوسا مع السائر فالسائر يضره التدبير والاختيار والعارف ينفعه والسائر تضره الخلطة والعارف تنفعه .
والسائر يضره الكلام والعارف ينفعه ....
السائر تضره الدنيا ويهرب منها والعارف غائب عنها لا تضره وربما تنفعه .
والحاصل أن الواصل معكوس مع السائر في أموره كلها وبالله التوفيق .
ويجب على من أراد جهاد نفسه أن يلقيها إلى شيخ التربية إذ قد يلتبس عليها أمرها وعلى فرض علمه بما يثقل عليها لا قدرة له على مجاهدتها إلا بهمة الشيخ ..
هذه سنة الله بعباده فإن النفس لا تريد أن تخرج عن رأيها ومرادها أبدا فالواجب إسلامها إلى من يعينه عليها ..
وانظر التكاليف الشرعية تجدها مخالفة لهوى النفس ، ومن لا يلقي قياده للشرع فهو كافر وما كفر من كفر إلا بتتبع الأهواء والله تعالى أعلم .
وهاهنا ميزان آخر تعرف به الذي فيه حظ النفس وهواها وما لاحظ لها فيه ، هو أن تعرض عليها الموت في وأنت في هذا العمل فإن رضيت الموت وهي في ذلك العمل فهو صحيح وإن لم ترض بالموت وهي في ذلك العمل فالعمل باطل فكل عمل لا يهزمه الموت فهو صحيح وكل عمل يهزمه الموت فهو باطل .
يعني فيه الهوى والحظ وكذلك الإنسان يزن نفسه بهذا الميزان ليعرف هل هو رحل من هذا العالم أو هو باق فيعرض الموت على نفسه في حال عافية وجمال فإذا قبلت الموت ولم تفر منه فليعلم أنه رحل من هذا العالم ، وإن لم تقبل نفسه الموت وطلبت البقاء ففيه بقية بقدر ما تفر منها وبالله التوفيق ..
ثم ذكر الشيخ ميزانا آخر يعرف به إتباع الهوى من الحق فقال : من علامة إتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات