قال ذا النون :
اجلس إلى من تكلمك صفته ولا تجلس إلى من يكلمك لسانه.
مجال قلوب العارفين بروضة ...
سماوية من دونها حجب الرب
تكنفها من عالم السر قربه ...
فلو قدر الآجال ذابت من الحب
وأروى صداها كأس صرف بحبه ...
وبرد نسيم جل عن منتهى الخطب
فيا لقلوب قربت فتقربت ...
لذي العرش مما زين الملك بالقرب
رضيها فأرضاها فحازت مدى الرضى ...
وحلت من المحبوب بالمنزل الرحب
لها من لطيف العزم عزت سرت به ...
وتهتك بالأفكار ما داخل الحجب
سرى سرها بين الحبيب وبينها ...
فأضحى مصوناً عن سوى القرب في القرب
ناداه سعدون:
متى يكون القلب أميراً بعد ما كان أسيراً؟
فقال ذو النون:
إذا اطلع الخبير على الضمير فلم ير في الضمير إلا حبه لأنه الجليل العزيز.
ما طابت الدنيا إلا بذكره
ولا طابت الآخرة إلا بعفوه
ولا طابت الجنان إلا برؤيتهقال بعض المتعبدين: كنت مع ذي النون المصري بمكة
فقلت له: رحمك الله لم صار الوقوف بالجبل ولم يصر بالكعبة؟
قال: لأن الكعبة بيت الله والجبل باب الله،
فلما قصدوه وافدين أوقفهم بالباب يتضرعون.
فقيل له يرحمك الله فالوقوف بالمشعر الحرام كيف صار بالحرم.
قال: لما أذن لهم بالدخول إليه أوقفهم بالحجاب الثاني وهي المزدلفة،
فلما طال تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه،
وأذن بالزيارة إليه على طهارة.
قيل له: فلم كره الصوم أيام التشريق.
قال: لأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه
قيل له: يرحمك الله فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى؟
قال هو مثل الرجل تكون بينه وبين أخيه جناية فيتعلق بثوبه ويستجدي له ويتضرع إليه ليهب له جرمه وجنايته