وصيةُ سيدي أحمدَ زَرُّوق(1) لبعض أصحابه(2)
ونصُّها: "عليك بتقوى الله الذي لا بُدَّ مِن لقائه، واحذر مخالفة أمره في شدته ورخائه، وأَحدِث لكل ذنب توبة، ولكل التفاتةٍ رَجْعَة؛ فإن المرء غيرُ معصوم من الزَّلَل، وغيرُ واثقٍ بنفسه في دوام العمل.
ومَن عزَّ عليه دينه هانت عليه الأمور كلها، ومَن ترك نفسه دارت عليه الدوائر؛ فلا في الدنيا يُفلِح، ولا في الآخرة يَنجَح.
ومَن كان همُّه ما يكفيه فأقلُّ شيءٍ منها يكفيه، ومَن طلب مِن الدنيا ما يغنيه فكلُّ شيءٍ منها لا يغنيه.
ومَن كان شرفه بعلمه نال جميع أَمَلِه، ومَن كان شرفه بنَسَبِه كانت نجاته أبعد مِن عَطَبِه، والناس أبناء أخلاقهم.
ومَن أحبَّ قوما كان مِثْلَهم؛ واحذرْ حبَّ الظلمة وموالاتَهم، وجانب أبناء الدنيا ومخالطتَهم، وإذا خالطتهم فكن حذِرا منهم؛ إنما يريدونك على تكميل دنياهم، ولِمَا يوافق هواهم، فيوقعونك في المحرَّمات الصريحة.
ولا تُطاوعْ مَن لا يبالي بِعِرْضه في تحصيل غَرَضه.
وإيَّاك والتجسُّسَ على الأمور، والتَّطلُّعَ على الأخبار؛ فإن مَن أراد أن لا يفوته خير لم يفته ضرر.
واحذر أن تعامل رعيَّتك [ظ/و] ومَن في معناهم معاملةَ السيِّدِ في عبيده؛ فإنَّ الله يغار على المسكينِ ولو كان عاصيا.
واغتنم دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: "اللهم مَن ولِيَ مِن أمر أُمَّتي شيئا فرفق بهم فارفق اللهم به، ومَن شقَّ عليهم فشُقَّ اللهم عليه"(3)، وهذا يتناول مَن له أدنى ولاية في الغالب.
[و] عليك بالذكر ولو تسبيحة، وبالقرآن ولو آية، وبالصوم ولو يوما في الشهر، وبالصلاة ولو ركعة في جوف الليل، وبالصدقة ولو لُقْمَةً لكلب أو هرٍّ تبتغي بها وجه الله تعالى.
وهذا كتاب نصيحة، لا كتاب تَبرُّك، فلا تقرأه مِن فوق فوق، وتجعلْه في الصندوق، ولكن ذكِّر به نفسك المرَّةَ بعد المرَّةَ، وإنْ قدَّر الله بغيرها فسيكون".
ـــــــــــ الهوامش: ــــــــــــــــــــــــ
(1) هو الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد البُرْنُسيُّ الفاسيُّ، الشهير بزَروق، توفي ودفن رحمه الله تعالى بمصراتة سنة 899 هـ.
(2) أصل هذه الوصية ورقة ضمن مجموع، من مخطوطات جامعة الملك سعود، الموجودة على الإنترنت، وما كان بين معقوفين فهو من زياداتي على الأصل.
(3) أخرجه مسلم (1828)، من حديث عائشة رضي الله عنها.