من أسرار المتشابهات في القرآن - 14
الوصية بالوالدين مفهومة، لكن لماذا أوصى الله بهما حسنا في آية العنكبوت (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) بينما أوصى بهما إحسانا في آية الأحقاف فقال (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) ، ثم في آية لقمان لم يذكر في الوصية حسنا ولا إحسانا فقال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) .. ولماذا ذكر الوصية بالوالدين رغم أن الآيات تتكلم عن الأم فقط ؟؟
الجواب:
(ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) أي: أوصيك بأنْ تعملَ لهم الحُسْن ذاته، كما تقول: فلان عادل، وفلان عَدْل، فوصَّى بالحسْن ذاته. أما في آية الأحقاف (إِحْسَانًا) فوصية بالإحسان إليهما. وقد وصَّى بالحسن ذاته في آية العنكبوت التي تذكر اللدد الإيماني، حيث قال (وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما) والأمر بالكفر يستوجب العداوة والقطيعة، ويدعو إلى الخصومة، فأكَّد على ضرورة تقديم الحسن إليهما؛ لا مجرد الإحسان ؛ لأن الأمر يحتاج إلى عزيمة نفس وقوة تكليف. أما حين لم يذكر منهما كفر في آية الأحقاف، فيكفى في برِّهما الإحسان إليها. ولما قال في لقمان (أن اشكر لى ولوالديك) وقال (وصاحبهما فى الدنيا معروفا) أغنى ذلك عن ذكر (حُسْنًا) أو (إِحْسَانًا).
ويلاحظ في الآيات الثلاث أن الوصية بالوالدين مع أن الحيثيات المذكورة كلها للأم فقط (حملته أمه وهنا على وهن) و (حملته أمه كرها ووضعته كرها) لأن متاعب الأم تكون حال الصِّغر، والطفل ليس لديه الوعي الذي يعرف به فَضْل أمه وتحمُّلها المشاق من أجله، وحين يكبر وتتكوَّن لديه الإدراكات يجد أنَّ الأب هو الذي يقضي له كل ما يحتاج إليه. فحيثيات الأب معلومة مشاهدة، أمّا حيثيات الأم فتحتاج إلى بيان وتوضيح فذكره.